تعريف التشبيه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:
فسبق وأن تحدثنا عن مكانة البلاغة بين العلوم النافعة، ثم عرجنا بعد ذلك على تعريف البيان، ثم ذكرنا أنواع دلالته، وأنها دلالة لفظية: وهي من نوع دلالة التضمن أو الالتزام، وليست المطابقة.
التشبيه: تعريفه، وأركانه، وأقسامه باعتبار طرفيه.
التشبيه: يعني الدلالة على مشاركة أمر لآخر في معنى بإحدى أدوات التشبيه، أو بوجه يُنبئ عنه كقولك مثلًا: محمد كالأسد شجاعة.
فالأمر الأول: في هذا المثال محمد وهو المشبه. والأمر الثاني: الأسد وهو المشبه به، وأداة التشبيه هنا الكاف كالأسد، والمعنى المرتبط بالأمرين المشبه والمشبه به هو الشجاعة، ويُعرف بوجه الشبه.
وقولنا بإحدى أدوات التشبيه يُخرج الاستعارة بنوعيها؛ لكونها مبنية على تناسي التشبيه، كما يُخرج أيضًا نحو قولنا: جاءني محمد وعلي، وجاور زيد عمرًا، وغير ذلك من الصيغ الدالة على المشاركة، لكن بطرق أخرى من غير طريق أدوات التشبيه.
قولنا "أو بوجه ينبئ عنه": يُدخل ما كان من التشبيه غير صريح، كقولك في بعض صيغ التجريد: لئن سألت فلانًا لتسألن به البحر، أو تقول: لقيت من زيد أسدًا، فالتجريد هو أن يُنتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مثله في تلك الصفة؛ مبالغة في كمالها فيه، ويدخل أيضًا التشبيهات الضمنية كقول المتنبي:
لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا … إلا بوجه ليس فيه حياء
يريد أن الحياء انعدم من شمس النهار عندما سطع نورها، وتجرأت أن تعارض وتلاقي وجه ممدوحه، هذه طبعًا مبالغة يريد الشاعر من خلالها أن يبين أن نور ممدوحه يفوق شمس النهار، وقد تكون هذه الأشياء الأربع للتشبيه: وهي
المشبه، والمشبه به، وأداة التشبيه، ووجه الشبه بيِّنة ظاهرة، مصرحًا بها، أو ببعضها كما مر في قولنا: محمد كالأسد شجاعة، وكما في قول الله تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِي الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} (الرحمن: 24)، وقد تكون خفية مستترة يُنبئ بها الأسلوب، وتُفهم من خلال سياق الكلام، كما مر بنا في التشبيهات غير الصريحة كقولنا مثلًا: لقيت من زيد أسدًا، ولئن سألت فلانًا لتسألن به البحر، إلى غير ذلك من التشبيهات الضمنية، أو التي يدخل فيها معنى التجريد.
وهنا يأتي سؤال ما نوع الدلالة في التشبيه، وما موقع التشبيه إن كانت دلالته دلالة مطابقة من المباحث البيانية؟ وما قد مر بنا أن الدلالة المعتمدة لدى البيانيين هي الدلالة اللفظية، وتشمل هذه الدلالة دلالة الالتزام ودلالة التضمين.
والملاحظ في دلالة التشبيه أنها ليست دلالة التزام ولا تضمين، وإنما هي دلالة مطابقة؛ لأن كلًّا من المشبه والمشبه به، والأداة ووجه الشبه مستعمل في معناه الوضعي، ودال على تمام معناه.
ومن المعلوم كما سبق أن ذكرنا أن المعاني المعبر عنها بألفاظ وضعية دالة على تمام معناها تكون واضحة الدلالة، وعلم البيان إنما يبحث في الدلالات التي تختلف في درجات الوضوح، وهي الدلالات غير الوضعية. من هذا اختلف البيانيون في موقع التشبيه من علم البيان، هل يُعدُّ من مباحثه الرئيسة، أم أنه مبحث تمهيدي لمباحث الاستعارة، وافترقوا على رأيين:
رأي يرى أن التشبيه مبحث تمهيدي لدراسة الاستعارة، وليس مبحثًا رئيسًا لما ذكرنا من أن دلالة التشبيه دلالة مطابقة، يُعبَّر عن معانيها بألفاظ حسب
أوضاع اللغة، وليس فيها معانٍ وراء ذلك، كما ذكرنا في علم المعاني، وعلم البيان، وأنها تبحث عن المعاني الثانوية، أو معنى المعنى في علم البيان؛ بينما يرى فريق آخر أن التشبيه من مباحث علم البيان الرئيسة، ومن مقاصده الأساسي، وحجتهم في ذلك أن التشبيه ليس على درجة واحدة من الوضوح، بل تتفاوت درجاته، وتتعدد أقسامه، وتختلف مراتبه؛ فهناك التشبيه الواضح، وهناك التشبيه الضمني، وهناك التشبيه البليغ محذوف الوجه والأداة، وهناك المؤكد محذوف الأداة، والمرسل الذي ذُكرت فيه الأداة، وهناك التشبيه المفصل الذي ذكر فيه الوجه، وهناك المجمل، كما أن هناك تشبيه الحسي، والعقلي، وهناك المفرد والمركب، إلى غير ذلك.
وهذا التفاوت والاختلاف ظهورًا وخفاء، ووضوحًا ودقة يجعله من المباحث الرئيسة لعلم البيان، وهذا الرأي هو الأولى بالقبول؛ فلا أحد من علماء البيان يختلف في أن للتشبيه اعتباراته الدقيقة، ولطائفه العجيبة، ومحاسنه العديدة، وهذا ما جعله موضع اهتمامهم، ولما لا وباب الاستعارة مبني أساسًا عليه، ومن ثَمَّ فهو أساس في علم البيان لا يمكن الاستغناء عنه بحال من الأحوال
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:
فسبق وأن تحدثنا عن مكانة البلاغة بين العلوم النافعة، ثم عرجنا بعد ذلك على تعريف البيان، ثم ذكرنا أنواع دلالته، وأنها دلالة لفظية: وهي من نوع دلالة التضمن أو الالتزام، وليست المطابقة.
التشبيه: تعريفه، وأركانه، وأقسامه باعتبار طرفيه.
التشبيه: يعني الدلالة على مشاركة أمر لآخر في معنى بإحدى أدوات التشبيه، أو بوجه يُنبئ عنه كقولك مثلًا: محمد كالأسد شجاعة.
فالأمر الأول: في هذا المثال محمد وهو المشبه. والأمر الثاني: الأسد وهو المشبه به، وأداة التشبيه هنا الكاف كالأسد، والمعنى المرتبط بالأمرين المشبه والمشبه به هو الشجاعة، ويُعرف بوجه الشبه.
وقولنا بإحدى أدوات التشبيه يُخرج الاستعارة بنوعيها؛ لكونها مبنية على تناسي التشبيه، كما يُخرج أيضًا نحو قولنا: جاءني محمد وعلي، وجاور زيد عمرًا، وغير ذلك من الصيغ الدالة على المشاركة، لكن بطرق أخرى من غير طريق أدوات التشبيه.
قولنا "أو بوجه ينبئ عنه": يُدخل ما كان من التشبيه غير صريح، كقولك في بعض صيغ التجريد: لئن سألت فلانًا لتسألن به البحر، أو تقول: لقيت من زيد أسدًا، فالتجريد هو أن يُنتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مثله في تلك الصفة؛ مبالغة في كمالها فيه، ويدخل أيضًا التشبيهات الضمنية كقول المتنبي:
لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا … إلا بوجه ليس فيه حياء
يريد أن الحياء انعدم من شمس النهار عندما سطع نورها، وتجرأت أن تعارض وتلاقي وجه ممدوحه، هذه طبعًا مبالغة يريد الشاعر من خلالها أن يبين أن نور ممدوحه يفوق شمس النهار، وقد تكون هذه الأشياء الأربع للتشبيه: وهي
المشبه، والمشبه به، وأداة التشبيه، ووجه الشبه بيِّنة ظاهرة، مصرحًا بها، أو ببعضها كما مر في قولنا: محمد كالأسد شجاعة، وكما في قول الله تعالى: {وَلَهُ الْجَوَارِي الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} (الرحمن: 24)، وقد تكون خفية مستترة يُنبئ بها الأسلوب، وتُفهم من خلال سياق الكلام، كما مر بنا في التشبيهات غير الصريحة كقولنا مثلًا: لقيت من زيد أسدًا، ولئن سألت فلانًا لتسألن به البحر، إلى غير ذلك من التشبيهات الضمنية، أو التي يدخل فيها معنى التجريد.
وهنا يأتي سؤال ما نوع الدلالة في التشبيه، وما موقع التشبيه إن كانت دلالته دلالة مطابقة من المباحث البيانية؟ وما قد مر بنا أن الدلالة المعتمدة لدى البيانيين هي الدلالة اللفظية، وتشمل هذه الدلالة دلالة الالتزام ودلالة التضمين.
والملاحظ في دلالة التشبيه أنها ليست دلالة التزام ولا تضمين، وإنما هي دلالة مطابقة؛ لأن كلًّا من المشبه والمشبه به، والأداة ووجه الشبه مستعمل في معناه الوضعي، ودال على تمام معناه.
ومن المعلوم كما سبق أن ذكرنا أن المعاني المعبر عنها بألفاظ وضعية دالة على تمام معناها تكون واضحة الدلالة، وعلم البيان إنما يبحث في الدلالات التي تختلف في درجات الوضوح، وهي الدلالات غير الوضعية. من هذا اختلف البيانيون في موقع التشبيه من علم البيان، هل يُعدُّ من مباحثه الرئيسة، أم أنه مبحث تمهيدي لمباحث الاستعارة، وافترقوا على رأيين:
رأي يرى أن التشبيه مبحث تمهيدي لدراسة الاستعارة، وليس مبحثًا رئيسًا لما ذكرنا من أن دلالة التشبيه دلالة مطابقة، يُعبَّر عن معانيها بألفاظ حسب
أوضاع اللغة، وليس فيها معانٍ وراء ذلك، كما ذكرنا في علم المعاني، وعلم البيان، وأنها تبحث عن المعاني الثانوية، أو معنى المعنى في علم البيان؛ بينما يرى فريق آخر أن التشبيه من مباحث علم البيان الرئيسة، ومن مقاصده الأساسي، وحجتهم في ذلك أن التشبيه ليس على درجة واحدة من الوضوح، بل تتفاوت درجاته، وتتعدد أقسامه، وتختلف مراتبه؛ فهناك التشبيه الواضح، وهناك التشبيه الضمني، وهناك التشبيه البليغ محذوف الوجه والأداة، وهناك المؤكد محذوف الأداة، والمرسل الذي ذُكرت فيه الأداة، وهناك التشبيه المفصل الذي ذكر فيه الوجه، وهناك المجمل، كما أن هناك تشبيه الحسي، والعقلي، وهناك المفرد والمركب، إلى غير ذلك.
وهذا التفاوت والاختلاف ظهورًا وخفاء، ووضوحًا ودقة يجعله من المباحث الرئيسة لعلم البيان، وهذا الرأي هو الأولى بالقبول؛ فلا أحد من علماء البيان يختلف في أن للتشبيه اعتباراته الدقيقة، ولطائفه العجيبة، ومحاسنه العديدة، وهذا ما جعله موضع اهتمامهم، ولما لا وباب الاستعارة مبني أساسًا عليه، ومن ثَمَّ فهو أساس في علم البيان لا يمكن الاستغناء عنه بحال من الأحوال