عبد الحميد الكاتب
عبد الحميد بن يحيى بن سعيد العامري، كان جده سعيد مولى للعلاء بن وهب العامري القرشي، فنسب إلى بني عامر، وهو فارسي الأصل، يقول أكثر الذين ترجموا له إنه من أهل الأنبار في العراق، وسكن الرقة بالشام.
لاتذكر المصادر التي ترجمت له ـ على الرغم من وفرتها ـ الكثير عن نشأته وطفولته وحياته في شطرها الأول، سوى ماذكره ابن خلكان من أنه كان معلماً في الكتاتيب، ينتقل بين البلدان، فعرف في نفسه الفصاحة والمهارة البيانية مما أهّله للالتحاق بديوان الرسائل في دمشق إبان خلافة هشام بن عبد الملك. وتلقى على يد سالم مولى هشام وكاتبه أصول الكتابة الديوانية، ومكّنه مرانه من أن يصبح كاتباً لا يُبارى.
لقي مروان بن محمد والي الأمويين على الجزيرة وأرمينيا، فأعجب به، واتخذه رئيساً لديوانه وكاتباً له. ولما آلت الأمور إلى مروان وتولى الخلافة عام 127هـ، عينه كاتباً للدولة لأنه وجده أهلاً للثقة به، ورغبة في الانتفاع بعلمه. وقدم عبد الحميد في هذه المرحلة سلسلة من الرسائل الرائعة التي قصدت إلى لمّ شعث بني أمية ودعوتهم للألفة والوحدة، في ضوء تصاعد خطر الدعوة العباسية.
ولما توالت المِحَن على مروان بن محمد في السنوات الخمس التي قضاها خليفة، وأيقن بزوال ملكه بعد هزيمته في معركة الزاب أمام جيش العباسيين، طلب إلى كاتبه أن يصير مع العباسيين لعل الإعجاب بأدبه وحاجة العباسيين إلى كتابته يدعوانهم إلى حسن الظنّ به، فيحفظ حياته وحياة أهله، ويعود بالنفع على الخليفة الأموي وأهله، غير أن عبد الحميد رفض ما أشار به سيده، وظل على موقفه صبوراً وعَبرَّ عن ذلك بقوله:
أُسِِِِِرُّ وفاءً، ثم أُظهر غَدرةً
فمن لي بِعُذرٍِِِ يوسع الناس ظاهره
ولما فرّ مروان من الشام إلى مصر، تمكن العباسيون من ملاحقته وحصاره إلى أن قتل في معركة بوصير، والرواية التي يُطْمأن إليها تدل على أن عبد الحميد قُتِل مع الخليفة في المعركة نفسها.
وجد عبد الحميد الكاتب في القرآن الكريم ضالَّتَه، وأقبل بشغف على تعلم الشعر وحفظه، واطلّع على السير والمغازي والأخبار، وكان له اهتمام بعلم الحساب، مما زوّده بمادة ثقافية غنية ومتنوعة كانت أساساً من أسس نبوغه، وجاء عمله في ديوان هشام ليضيف إلى ذلك الإرث الثقافي خبرة عملية واسعة، فضلاً عن استفادته من رسائل الفرس الأدبية التي أُثرت عن الساسانيين، والتي يقال إنه كان أحد نَقَلتِها إلى العربية. فصار أبلغ كتّاب الدواويين في العصر الأموي وأشهرهم على الإطلاق فقيل: «فتحت الرسائل بعبد الحميد، واختتمت بابن العميد».
يعد عبد الحميد الكاتب من أوائل الذين أسسوا لفن الرسائل في الأدب العربي، فأخذ عنه الكتَّاب ولزموا طريقته، ويزعم بعض العلماء أنه أول من استخدم التحميدات بعد البَسْمَلةَ في فصول الكتب، وأول من لجأ إلى الإطالة باستخدام الترادف وتكرار المعاني، وتحول فن الرسائل على يديه إلى رسائل أدبية حقيقية تكتب في موضوعات متعددة، كالرسائل في الإخاء وقيادة الحروب والصيد، وبرع في أساليب الصياغة وأجاد في التعبير عن المعاني، ولزم اختيار التأنق في اختيار المفردات، واهتم بتقسيم الجملة وتوشيتها، وتعدُّ رسالته إلى الكتّاب من أقدم النصوص في الأدب العربي التي تُبَصِّر الكتّاب بطرق عملهم، وعمد في تضاعيفها إلى الطلب من الكتّاب أن يؤلفوا بينهم مايشبه النقابة، وحضَّهم على الأخذ بيد من ينبو به الزمان ومساعدته. كان عبد الحميد الكاتب الوجه المشرق في نهضة النثر الكتابي في العصر الأموي.
عبد الحميد بن يحيى بن سعيد العامري، كان جده سعيد مولى للعلاء بن وهب العامري القرشي، فنسب إلى بني عامر، وهو فارسي الأصل، يقول أكثر الذين ترجموا له إنه من أهل الأنبار في العراق، وسكن الرقة بالشام.
لاتذكر المصادر التي ترجمت له ـ على الرغم من وفرتها ـ الكثير عن نشأته وطفولته وحياته في شطرها الأول، سوى ماذكره ابن خلكان من أنه كان معلماً في الكتاتيب، ينتقل بين البلدان، فعرف في نفسه الفصاحة والمهارة البيانية مما أهّله للالتحاق بديوان الرسائل في دمشق إبان خلافة هشام بن عبد الملك. وتلقى على يد سالم مولى هشام وكاتبه أصول الكتابة الديوانية، ومكّنه مرانه من أن يصبح كاتباً لا يُبارى.
لقي مروان بن محمد والي الأمويين على الجزيرة وأرمينيا، فأعجب به، واتخذه رئيساً لديوانه وكاتباً له. ولما آلت الأمور إلى مروان وتولى الخلافة عام 127هـ، عينه كاتباً للدولة لأنه وجده أهلاً للثقة به، ورغبة في الانتفاع بعلمه. وقدم عبد الحميد في هذه المرحلة سلسلة من الرسائل الرائعة التي قصدت إلى لمّ شعث بني أمية ودعوتهم للألفة والوحدة، في ضوء تصاعد خطر الدعوة العباسية.
ولما توالت المِحَن على مروان بن محمد في السنوات الخمس التي قضاها خليفة، وأيقن بزوال ملكه بعد هزيمته في معركة الزاب أمام جيش العباسيين، طلب إلى كاتبه أن يصير مع العباسيين لعل الإعجاب بأدبه وحاجة العباسيين إلى كتابته يدعوانهم إلى حسن الظنّ به، فيحفظ حياته وحياة أهله، ويعود بالنفع على الخليفة الأموي وأهله، غير أن عبد الحميد رفض ما أشار به سيده، وظل على موقفه صبوراً وعَبرَّ عن ذلك بقوله:
أُسِِِِِرُّ وفاءً، ثم أُظهر غَدرةً
فمن لي بِعُذرٍِِِ يوسع الناس ظاهره
ولما فرّ مروان من الشام إلى مصر، تمكن العباسيون من ملاحقته وحصاره إلى أن قتل في معركة بوصير، والرواية التي يُطْمأن إليها تدل على أن عبد الحميد قُتِل مع الخليفة في المعركة نفسها.
وجد عبد الحميد الكاتب في القرآن الكريم ضالَّتَه، وأقبل بشغف على تعلم الشعر وحفظه، واطلّع على السير والمغازي والأخبار، وكان له اهتمام بعلم الحساب، مما زوّده بمادة ثقافية غنية ومتنوعة كانت أساساً من أسس نبوغه، وجاء عمله في ديوان هشام ليضيف إلى ذلك الإرث الثقافي خبرة عملية واسعة، فضلاً عن استفادته من رسائل الفرس الأدبية التي أُثرت عن الساسانيين، والتي يقال إنه كان أحد نَقَلتِها إلى العربية. فصار أبلغ كتّاب الدواويين في العصر الأموي وأشهرهم على الإطلاق فقيل: «فتحت الرسائل بعبد الحميد، واختتمت بابن العميد».
يعد عبد الحميد الكاتب من أوائل الذين أسسوا لفن الرسائل في الأدب العربي، فأخذ عنه الكتَّاب ولزموا طريقته، ويزعم بعض العلماء أنه أول من استخدم التحميدات بعد البَسْمَلةَ في فصول الكتب، وأول من لجأ إلى الإطالة باستخدام الترادف وتكرار المعاني، وتحول فن الرسائل على يديه إلى رسائل أدبية حقيقية تكتب في موضوعات متعددة، كالرسائل في الإخاء وقيادة الحروب والصيد، وبرع في أساليب الصياغة وأجاد في التعبير عن المعاني، ولزم اختيار التأنق في اختيار المفردات، واهتم بتقسيم الجملة وتوشيتها، وتعدُّ رسالته إلى الكتّاب من أقدم النصوص في الأدب العربي التي تُبَصِّر الكتّاب بطرق عملهم، وعمد في تضاعيفها إلى الطلب من الكتّاب أن يؤلفوا بينهم مايشبه النقابة، وحضَّهم على الأخذ بيد من ينبو به الزمان ومساعدته. كان عبد الحميد الكاتب الوجه المشرق في نهضة النثر الكتابي في العصر الأموي.